يسيء الكثير من الآباء إلي أبنائهم عندما يخطئون من خلال انتقاصهم لشخصياتهم وهم غاضبون فينعتونها بصفات قبيحة من الصعب علي الاطفال نسيانها فيما بعد بل هي تسري كالسهام المسمومة في تشكيل شخصياتهم لتعمل علي اضطرابها وضعفها والسبب أن الانسان مخلوق بقدرة فطرية هي الاحساس ومن الطبيعي أن يشعر الطفل الذي يصفه والداه بأنه قبيح أو غبي بالقهر والظلم واحياناً بالكره لهما لما يسببان له من آلم نفسي وقد ينطلق خياله لكي ينتقم منهما فيشعر بالذنب والقلق والضيق لأنه يشعر بعكس ما هو مطلوب منه اخلاقياً ودينياً وقد يتصرف بطريقة سيئة مثلما ذكرت من قبل ليظهر آمام والديه شخصيته السيئة التي يخفيها كما أن الطفل الذي ينعته والداه بأنه غبي وأحمق قد يرد في البداية عليها بأنه غير أحمق أو غبي لكنه سيصدقهما فيما بعد عندما يكررها عليه والداه أو مدرسوه عدة مرات وسيدأ في التفكير بنفسه علي اساس أنه غبي وسيبتعد عن تجربة أي شيء لأنه يخاف الفضل أي أنه سيبتعد عن أي جهد عقلي يبذله لكي يتطور .
إذن من الأفضل أن يكون انتقادنا لابنائنا بعيداً عن تحقير شخصياتهم وأن ينصب علي ما فعله الطفل من تصرف خاطيء بأن نركز حديثنا معه حول ما كان يجب عليه القيام به لكي يتفادي الخطأ إننا بهذا الاسلوب البناء في الانتقاد سنساعد علي تقوية ثقة ابنائنا بأنفسهم وسنجعلهم راغبين ذاتياً في تطوير شخصياتهم .
ولنأت بتجربة من واقع حياتنا توضح لنا مساوئ تجريح شخصية الطفل ونحن ننتقده.
همام طفل في التاسعة من عمره.. كان يلعب بكوب خال من الشاي امام والدته التي كانت تشاهد التليفزيون في غرفة المعيشة إلا أن عينيها لم تستطع مفارقة ابنها وهو يلعب خوفاً من أن يسقط الكوب فينسكر ثم لم تستطع صبراً فقالت له: ستكسره العم أنك ستكسره انت دائماً تكسر الاشياء من حولك .
رد عليها ابنها غاضباً: لا أنا لا أكثر الاشياء
إلا أن الكوب سقط في تلك اللحظة من يد همام وانكسر .
علقت الام بانفعال : هل اصرخ بصوت عالي وأقول : أنك غبي لا تدع شيئاً في مكانه تكسر كل شيء تصل اليه يداك في البيت
رد عليها ابنها مقهوراً : أنت ايضا غبية الم تكسري أمس صحناً وأنت تحملين عدداً منها إلي المطبخ؟
انبهرت أمه من وقاحة رده فقالت له: هل تجرؤ وتقول لأمك: إنها غبية أنت قليل الأدب
رد عليها همام منتقما: وأنت ايضا قليلة الآدب لأنك قلت لي إني غبي في الأول.
تقلصت ملامح الأم من الغضب وصرخت في ابنها قائلة : لا أريد كلمة اخري اذهب إلي غرفتك فوراً ولا تخرج منها إلا إذا قلت لك
رد عليها ابنها : لا لن ادخل إلي غرفتي وتعالي اريني ماذا ستفعلين .
طاش غضب الأم عندما رأت تحدي ابنها موجه إلي سلطتها كأم وأمسكت به تريد أن تضربه وعندما حاول همام أن يهرب من قبضتها دفعها دون أن يدري نحو الباب الزجاجي وانكسر الزجاج وقطع يد الأم فسألت دماؤها وأصيب الابن بالرعب وهرب من البيت بحث عنه أفراد العائلة فلم يجدوه وعند المساء عاد همام منتكس الرأس خجلاً وبالطبع لم يشعر أحد في البيت بالراحة في تلك الليلة .
فهل كانت هذه المعركة ضرورية من الاساس؟ ألا يمكن للأم أن تتجنبها وتجنب ابنها الاحساس بالذنب لما فعله بها لو أنها تعاملت مع الخطأ الذي ارتكبه هذا الابن بطريقة رزينة هادئة.
كان باستطاعتها مثلاً أن تأخذ الكوب من ابنها عندما وجدته يلعب به واعطائه بدلاً منه كرة ليلعب بها أو كان في امكانها أن تساعده علي جمع القطع المكسورة وهي تتحدث عن رقة صناعة الكوب التي تجعله قابلاً للكسر إذا لم يكن الانسان حذراً في امساكه .
إن تعليق الأم الهادئ حول ما ارتكبه ابنها سيدهشه وربما دفعه إلي الخجل مما فعل والاعتذار لوالدته والتعهد لها بأنه سيكون أكثر حذراً في المستقبل وربما سيفكر همام بينه وبين نفسه أنه قد أخطأ فيما فعل لأن الكوب ليس للعب وإنما لشرب الشاي ولن يكرر الخطأ الذي ارتكبه مرة آخري .